إن أسهل طريقة نتعرف بها إلى أحد مواليد برج الثور الإصغاء إلى حديثه . فإذا بدا مقتضبا مقتصرا على كلمتين نعم ولا ,
و رافق ذلك في الوقت نفسه هدوء في الملامح و بأس في المظهر العام أمكننا التأكيد أنه ينتمي حقا إلى ذلك البرج العظيم . إنه رمز الصمود بكل ما في الكلمة من معنى . يقف في وجه الصدمات و العقبات كالجبل الأشم , منتصب القامة مكتوف الذراعين مطبق الشفتين لا يحرك ساكنا و لا يتزحزح قيد شعرة عن الطريق الذي اختاره لنفسه . قلما يرد على الهجمات بمثلها . أقصى مناه أن يترك لشأنه . صبور كثير الاحتمال , يتظاهر بالبرود التام وقتا طويلا ثم ينفجر لأتفه الأسباب , حاله حال القشة في كوب ملآن . من الخير عندئذ لمسبب العاصفة أن يختـفي من دربه لأن مولود برج الثور يهيج بين الحين و الآخر هيجانا مريعا يجعله يندفع كالمجنون حاملا الخراب و الدمار لكل من يعترض سـبيله .
ينجذب هذا الإنسان بقوة نحو أفراد الجنس الآخر لكنه يفضل بطبعه الأسلوب السلبي بدلا من ملاحقة أهدافه بصورة إيجابية . هذه الظاهرة تجعله يلازم بيته في معظم الأوقات مكتفيا من حياته الاجتماعية بدور المضيف أو صاحب الدعوة لا الزائر .
من العادات التي يأبى ممارستها – ولا يجيد استعمالها حتى لو أراد – إظهار القلق و العصبية و قضم الأظافر و ما شابه ذلك . إذا واجهته مشكلة أخذ يشحذ فكره لإيجاد الحل الملائم دون أن يظهر عليه ما يشير إلى تنازع الأفكار أو المشاعر . و مع أن دماغه يعمل بسرعة في الأزمات إلا أنه يفضل التروي في اتخاذ المواقف النهائية .
تشير الدلائل جميعا إلى أن هذا الإنسان خلق للحياة العائلية و الاستقرار . من أهدافه الرئيسية امتلاك بيت يضمن له الراحة و الرفاهية . لا يطيق التغيير , و يتمسك بالعادات و التقاليد , و يلازم الأرض و الطبيعة و الهواء الطلق . إذا اضطرته ظروفه إلى العيش وسط المدينة عمل المستحيل لإحاطة نفسه بالنبات و الزهر و كل ما يوحي بحياة الريف . و إن بدا على غير ما ذكرنا كان السبب تأثيرات فلكية معينة حولت طريقه و أكسبت شخصيته جوانب إضافية .
يتمتع مواليد برج الثور بعافية شديدة تصمد أمام المرض , لكنهم إذا اعتلوا تماثلوا للشفاء ببطء , و سبب ذلك بعدهم عن التفاؤل و الحيوية و رفضهم الامتثال لأوامر الأطباء . يظلون أكثر عافية من غيرهم شرط أن يقوا السمنة المفرطة و الجراثيم و الأوبئة .
عناد برج الثور معروف و إن كان أصحابه يرفضون تسميته عنادا . إنه في اعتقادهم صبر و احتمال و حكمة و منطق . لهذا السبب يصعب عليهم تقبل النقد أو اللوم . إذا طلب منهم تبرير مواقفهم فشلوا في إعطاء أسباب وجيهة . إنهم هكذا و السلام !
يصعب تخيل هذا النوع من الرجال ودودا محبا لعائلته . و لكنهم هكذا و أكثر . إنهم يستحقون أرفع الأوسمة تقديرا لشجاعتهم و احتمالهم المصاعب في سبيل من يحبون . هم أوفياء لأصدقائهم أيضا , يندفعون في سبيلهم بجميع الوسائل و الطرق ولا يرفضون لهم أي طلب ما عدا التخلي عن عنادهم .
روح الفكاهة عندهم مبعث حيرة الآخرين . إذا ألقيت أمامهم نكتة بارعة تدل على العمق و سرعة الخاطر ردوا عليها بالصمت المطبق . أما إذا تزحلق أحد أمامهم و وقع أرضا قهقهوا فرحين كالأطفال . مرحهم واقعي خشن بعض الشيء لكنه خال من كل أثر للؤم و الشماتة .
من الناحية الاقتصادية يبدو إنسان برج الثور و المال كتوأمين سياميين يستحيل فصلهما . ولا يعني ذلك أن جميع مواليد هذا البرج هم من أصحاب الأملاك الشاسعة و الثروات الطائلة . لكن قلما يوجد بينهم فقير معوز . يبني هذا الإنسان عموما حياته الاقتصادية بحذر و بطء معتمدا قبل كل شيء على الأساس المتين و الحسابات الدقيقة . و متى تسنى له جمع ما يلزم من مال و ممتلكات أعطى نفسه إجازة طويلة تاركا للآخرين هموم السعي و الركض . إن المال في اعتقاده مواز للسلطة و الجاه , و يستحق أن يحافظ عليه , لكن البخل ليس من شيمه .
كل ما هو ضخم يثير مولود هذا البرج , فمثلا كلما زادت الأبنية ارتفاعا ازداد إعجابه بها و إذا دخل حديقة حيوانات وقف مشدودا أمام الفيلة غير مبال بالقردة ذات الذكاء الواضح و الحركة المستمرة . و الطريف أنه يخشى الأحجام الصغيرة لا الكبيرة من هذه الحيوانات فيطلق ساقيه للريح أمام فأر حقير بعد وقفة لا مبالاة أمام نمر هائج مثلا .
معظم مواليد برج الثور يتمتعون بأصوات جميلة تجعل من بعضهم مطربين محترفين , كما أن أكثرهم يتذوق الموسيقى و الرسم و النحت ولا يستبعد أن يكون بينهم هواة عديدون في مختلف المجالات الفنية .
و بكلمة مختصرة : إنه كبير . . . كبير في كل شيء , في عقله و قلبه و مشاعره . و هناك كلمة أخرى تعبر عنه و هي العناد التام .