ما هو الأسهل بالنسبة إلى سمكة عادية : السباحة مع التيار أم الصعود عكسه ؟ مجاراة التيار هي الأسهل طبعا لا لسمك
المحيطات و حسب بل لمواليد برج الحوت الذين هم من عائلة الأسماك و لو اسما فقط . في مجاراة تيار الحياة يجد الإنسان المولود في برج الحوت و الذي يرعاه إله البحار نبتون سعادته و راحته النفسية بينما يعتبر السير في اتجاه معاكس أمرا شاقا لا تقوى عليه طبيعته الكسولة و حبه للحياة السهلة . " أريد أن أعيش " هو المبدأ الذي يؤمن به و يحاول العمل به قدر المستطاع .
و لو قيل لهذا الإنسان إن العالم يتداعى أو إن المجاعة تعم بالأرض أو أن التلوث سوف يقضي على البشرية قريبا لما رد بأكثر من الضحك أو التثاؤب . فهو راض بحاضره عديم الاهتمام بغده , لا يهدف إلى مال أو سلطة , ولا يتمنى من دنياه أكثر من حلاوتها . و بما أنه قليل الطمع و الجشع لا شيء يقوده إلى الحركة أو العنف . إن ما يفعله ردا على التحدي و الإثارة سلاطة اللسان و مرارة الكلام . غضبه سطحي قصير الأمد يشبه دوائر الماء عند رمي حجر فيه إذ سرعان ما تتلاشى و يستعيد سطح الماء سكونه و صفاءه .
يجد مولود برج الحوت الراحة و الانتعاش في شرب السوائل كالماء و غيره , يرى العالم من خلال منظار وردي يرسم له كل شيء جميلا رائعا . و لا يعني ذلك أنه يجهل واقع الحياة بألمه و مرارته , و لكنه يفضل الهروب إلى الحلم و الوهم مقـنعا نفـسه بأن موقفه هذا هو عين الصواب . و بكلام أوضح يتجاذب مولود برج الحوت سؤالان أو فكرتان عليه أن يختار بينهما . فهو مضطر إما إلى العوم على سطح الماء و معرفة واقع الدنيا أو الغوص إلى الأعماق بعيدا عن أهدافه الأساسية . و الحقيقة أنه كثيرا ما يتردد لعدم استطاعته الرؤية بوضوح مثله في ذلك مثل السمكة التي تنظر إلى جانبيها بدلا من النظر إلى الأمام .
يرمز مولود برج الحوت – الذي هو آخر الأبراج كما نعلم – إلى الموت و الخلود بينما يرمز برج الحمل – أول الأبراج – إلى الولادة . و يمكن القول أن هذا البرج الأخير هو خلاصة لما سبقه من أبراج , أي أن الإنسان المولود فيه يتسم أحيانا بمعرفة العذراء , و محاكمة الميزان , و مرح السرطان , و كرم القوس , و صراحة الأسد , و شعور الجدي بالواجب , و اندفاع الحمل , و قوة تحليل الدلو , و كسل الثور , و سرعة الجوزاء , كل ذلك أو بعضه في آن واحد . بالإضافة إلى ذلك توجد لدى مولود الحوت حركة مستمرة و قابلية للتحول الذاتي . هذه الميزة الخاصة التي حرمتها الأبراج الأخرى تمكنه من الانسلاخ عن نفسه و بالتالي استعراض الماضي و الحاضر و المستقـبل دفعة واحدة الأمر الذي يفسر إلى حد ما كيفية تنبئه بالأشياء قبل وقوعها . إنه في رأي البعض أصدق برهان على فلسفة التقمص التي يؤمن بها الكثيرون .
في رأي هذا الإنسان أنه خالد مما يدفعه إلى إهمال صحته و راحته في سبيل الآخرين . من الأشياء التي تسبب له الضرر الجسيم المسكنات و المهيجات و الإرهاق و مشاكل الغير التي تلاحقه دوما و بعض العادات السيئة في المأكل و المشرب . ما قد يعوضه من ضعفه الجسماني تلك القوة الخارقة التي يستمدها من الإيحاء الذاتي . فهو يستطيع إقناع نفسه بأن لا خوف عليه من أي أمر أو شخص .
على الرغم من خجله الفطري ينجح مولود برج الحوت في التمثيل المسرحي و إن كان ضعيفا سريع التأثر أمام النقد . و يتمتع بذاكرة مذهلة و مزاج مرهف و حس جمالي يمكنه من ولوج باب الكتابة و التأليف نثرا و شعرا . و بما أن لديه ملكة عظيمة تميز الخير من الشر و تستطيع مقاومة جميع أنواع الإغراء ينجح في أن يكون رجل دين أو متصوفا يشار إليه بالبنان . و هو في جميع الأحوال مندفع في سبيل المرضى و الفقراء و المعوزين لا يفرق بين شخص و آخر ولا يقاضي أو يحاسب أحدا . مزاجه سلاح خفي يستعمله عند الحاجة . يضحك أحيانا ليداري دموعه أو يضحك الآخرين دون أن يفـتر ثغره عن الابتسام . لا مبالاته ستار لضعفه , و مظهر البأس عنده قشرة خارجية لا أكثر .
طبيعة هذا الإنسان بعيدة المنال , تقوم على الوهم و التهرب من الواقع . من الصعب أن يدركها أحد غيره ما لم يستعمل الكثير من الخيال و ما لم يعلم سلفا أن رمزه الماء بخضرته و رطوبته و وحله و تحركه المستمر , و أن سره العميق مدفون في قاع المحيط حيث لا يعلم به سوى كوكبه نبتون .